القتال هو الطريق

يُطلِق العرب على من يخرج من مكانه فلا يهتدي للرجوع إليه مثلاً رائعاً قائلين"أضلُّ من ضَّبٍّ"لأنَّ سوء الهداية في الضب والوَرَل والديك،وهو ينطبق أيضا،بعد إذن العرب،على من ضلوا طريقهم بعد أن خرجوا،بلا عودة، من خنادق المقاومة وكهوف الثورة الفلسطينية،هذا إن كان هؤلاء "الضالة" قد دخلوها ،وقد آلمني جداً أنَّ وفداً أوسلوياً من أولئك "الديماغوجيين" يقوده "روحي فتوح" قد زار دمشق مؤخراً ولا يقف خلف الزيارة إلا سبب واحد ،هو ما أعلنه مستشار محمود عباس السياسي "نمر حماد" الذي يحمل في قلبه هموم الأمة وفي عقله "الكبير" مصالح الشعوب والدول؛وازدادت حدة يأسي منهم حين طلب "هذا الوطني!" من سوريا عدم احتضان المؤتمر الوطني المناهض لمؤتمر الخريف بدعوى أن انعقاد المؤتمر في دمشق قد يمس بصورتها أمام العالم وقد تُتهم بأنها ترعى الإرهاب. بالله عليكم، ألا تلاحظون أنَّ مستشار "الباب الواطي" أطيش من فراشة؟؟!!

المفارقة العجيبة أن ذلك كله جاء على وقع قراءتي لكتاب "القتال هو الطريق"وهو من تأليف العضو المؤسس وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح والذي استشهد بتاريخ10/4/1973إنه الشهيد المهندس كمال عَدوان،وقد نُشر هذا المقال في مجلة "شؤون فلسطينييه العدد11 في تموز يوليو 1972"ووزِع في كراس على الثوار آنذاك!!

طالعتُ في هذا الكتاب أنَّ الشهيد كمال ومن نهجوا نهجه آنذاك تمكنوا من تثبيت رؤيتهم ومفاهيمهم في مواثيق منظمة التحرير الفلسطينية قبل استشهاده بثلاثة شهور فقط.وقد كان ذلك في الدورة الحادية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني من6-12/1/1973. حين نقشوا بدمائهم"النضال ضد عقلية التسوية وما تفرزه من مشروعات تستهدف قضية شعبنا في تحرير وطنه أو مسخ هذه القضية لمشروعات الكيانات أو الدولة الفلسطينية على جزءٍ من أرض فلسطين والتصدي لهذه المشروعات بالكفاح المسلح والنضال السياسي الجماهيري المرتبط به "ورتب القرار على المتهاون في حقوق الشعب الفلسطيني عقوبة تستهدفه في شخصه وممتلكاته.ولا أتخيل ما الذي كان سيصنعه الشهيد كمال لو أنه يعلم ويرى ما آل إليه الوضع الآن وما صنعه"الطائشون" بقضيتنا؟؟؟

والواضح أن استشهاد فارسين من أمثال كمال عَدوان ومحمد النجار ساهم في إزاحة عقبة كأداء من طريق الحلول "السلمية" للقضية الفلسطينية،ودليلي على ذلك أنه ما كادت تأتي الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في حزيران يونيو 1974 إلا والحلول السياسية للقضية قد أخذت طريقها في العمل الفلسطيني الرسمي بتبني إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية على أية أراضي فلسطينية يتم تحريرها وبدء التعاطي مع قرار 242 والخوض في أحاديث الدولة الفلسطينية على أراضي 1967والتي تعترف "بإسرائيل" على أراضي 1948. تخيلوا!!!

لأجل ذلك ووفاءً لدرب "القتال هو الطريق"وحفاظاً على ميراث الشهداء الأبطال، تحوّل "عرفات وبيريز" إلى سمن على عسل ،وصار سلام وكلام وعناق وقبلات.لقد اتفق الطرفان على كل شيء...واستشهد فدائي آخر وانتهى!!!

واختياراً لطريق ذات الشوكة أيضاً وقعّت منظمة التحرير اتفاقاً مع"الطرف الآخر"حتى لا يزعل الأوسلويون،مفاده:أنَّ الصهاينة لا يتحملون مسؤولية عن كلِّ الجرائم التي ارتكبوها.وهكذا "بقدرة قادر"غفر عرفات وأصحابه وعلى رأسهم "مهندس أوسلو"غفروا للكيان الصهيوني كل انتهاكاته على مدار عقود طويلة. فلتتعلم عزيزي القارئ أصول الوطنية!!!!

ولا أريد أن أستغرق في تفاصيل تلك الاتفاقية "المشئومة"(400صفحةو18خريطة وسبعة ملاحق)التي قد نعود للحديث عنها فيما بعد، لكنني أرغب في الإشارة إلى أخطر وأتفه ما قرأته في كتاب "هذا الجانب من السلام"لحنان عشراوي وهي تلقي الضوء على الأجواء النفسية المحيطة بتهافت العديد من القياديين الفلسطينيين على توقيع اتفاقية أوسلو مع الاحتلال الصهيوني.حيث نجد أحد هؤلاء "القادة" يقول لها(سنوقع الآن ثم تقوموا أنتم "من أنتم لا أدري؟؟!!" لاحقاً بالتفاوض مع الإسرائيليين على تفاصيل المستوطنات والقدس)ويمكن تلخيص هذا المنطق العجيب كالتالي(سنوقع نحن الآن ،الأمر الذي يعني التنازل عن كل شيء ،إلا أننا نحن نأمل أن تستطيعوا أنتم استعادة شيء ما وهو الأمر الذي يتطلب مهارة استثنائية) وإننا نتساءل الآن عن كل ما جرى وما يمكن أن يجري بعد ذلك "ما الذباب وما مَرَقَتُه"؟؟؟!!!.

والأدهى ما جاء في مذكرات "عباس"في تلك الفترة فقد أعطت مؤشراً مهماً في هذا السياق وهو أنَّ الحاجة النفسية إلى اعتراف من "الحركة الصهيونية"كانت من القوة في ذهن أشخاص مثله ومثل عرفات بحيث تجاوزت تقريباً أي اعتبارٍ آخر،خصوصاً مصالح الفلسطينيين الحقيقية على المستوى البعيد. أرأيتم كيف تبدو الأبهة العقلية والنفسية "لحفنة أوسلو"؟؟!

إن "مهندس أوسلو" الذي يلهث خلف سراب الوهم المسمى "بالسلام"ذي الطعم المر والشكل الكئيب يمارس سلوكاً انتحارياً وهو في ذلك يشبه الفتى سيزيف الذي ورد في أسطورة إغريقية،والإغريق عباقرة العذاب،فقد حكموا عليه بأن يدفع أمامه حجراً إلى أعلي الجبل،ويتدحرج الحجر إلى السفح فيعود"عباس"أقصد سيزيف، يدفعه من جديد..والى الأبد..وكان يفعل ذلك بمنتهى الهمة والحماس كأنَّ لهذا العذاب نهاية..والحقيقة أنه عذاب بلا نهاية.

لذلك أعجبتني كثيراً كلمة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل لأولئك "الديماغوجيين"عندما صرخ فيهم أن "استيقظوا"..

استيقظوا واستريحوا من دفع الحجر إلى أعلى الجبل إلى الأبد..

استيقظوا فإن مساحة الجرح الفلسطيني لا تتسع لهذا المنطق الأهوج والسلوك الحقير..

استيقظوا فإننا لن نكسب سوى مرقة الذباب!!!

استيقظوا وعودوا إلى حضن الشعب الدافئ لأنّ أحضان الأفاعي وإن كانت دافئة وان كان ملمسها ناعماً إلا أنَّ فيها الموت الزؤام والسم القاتل. ألا تعقلون!!!

استيقظوا وعودوا إلى طريق القتال على نهج الشهداء الميامين عدوان،النجار، وأبو جهاد الطريق التي شقوها بدمائهم الزكية،وكفوا عن احتضان اليأس!!!

أمَّا إذا أصررتم على الغرق في تفاصيل التراجع والانبطاح فأنا أخبركم بعلاج هذه المشكلة وأحدثكم عن شخصية خرافية تدعى "الجرجون".هذه الشخصية إذا نظرتْ إلى أي شيء صار حجراً،فهي معذبة،حبيسة الأحجار،لا ذنب لها إلا هذه القدرة الفريدة على تحويل كل شيء إلى مقبرة،إلى خراب،إلى تراب،إلى عدم،ولم يعرف الناس ما يفعلون بهذا الكائن الأسطوري فوضعوا لها مرآة لترى نفسها فلما رأتْ تحجرتْ!!

استيقظوا الآن، وإلا، فانظروا في المرآة وأريحونا إلى الأبد!!!!

raef elagha

مشكووووووووووووووووووور Surprised